24/02/2020

نداء إلى العمل من أجل حقوق الإنسان

كتبها: أنطونيو غوتيريش

أسمى ما ترنو إليه النفوس

نداء إلى العمل من أجل حقوق الإنسان،  موجه من أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإنشاء الأمم المتحدة.

”ولما كان تجاهل حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال أثارت بربريتها الضمير الإنساني، وكان البشر قد نادوا ببزوغ عالم يتمتعون فيه بحرية القول والعقيدة وبالتحرر من الخوف والفاقة، كأسمى ما ترنو إليه نفوسهم“ - ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

____________________________________________________

 
قبل خمسة وسبعين عاما، سجل ميثاق الأمم المتحدة عزم جيل عانى من الحرب العالمية والكساد على ألا يسمح مرة أخرى بأن تسود ظروف البؤس الإنساني تلك. وأكد من جديد الإيمان ”بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية“. وبعد بضع سنوات من ذلك، حدّد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تلك الحقوق على نحو أكمل. ومثّل الإعلان وعدا قطعه القادة من كل المناطق بأنهم لن يتوانوا أبدا في سعيهم إلى تحقيق الحقوق والحريات الأساسية. وكانوا يدركون أن هذه المهمة لن تكون يسيرة.
وعلى مدى العقود التي تلت ذلك، تحققت مكاسب هائلة في مجال حقوق الإنسان. فبلايين الناس يعيشون حياة أطول وأكثر أمنا وكرامة. ولدينا عهدان يوضحان النطاق الكامل للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ ونظام قوي قائم على المعاهدات؛ وبنية مؤسسية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها ووعي أكبر بالقيم والالتزامات التي تقوم عليها. والنتيجة الساطعة هي رؤية مشتركة لما يجعلنا بشرا: مجموعة من الحقوق التي هي في آن واحد عالمية وغير قابلة للتجزئة، تُوازِن ما بين الفردي والجماعي، وتلهمنا في سعينا إلى عالم أفضل للجميع، بمن فيهم الأجيال المقبلة.
بيد أن قضية حقوق الإنسان تواجه تحديات كبيرة، وليس ثمة بلد محصن تجاه تلك التحديات. والاستخفاف بحقوق الإنسان ينتشر على نطاق واسع. وفي كثير من الحالات في جميع أنحاء العالم، نرى الانتهاكات الفظيعة والمنهجية لحقوق الإنسان؛ وتفشي الإفلات من العقاب؛ وتصاعد خطاب الكراهية، ومعاداة النساء، والإقصاء والتمييز؛ والاستقطاب الاجتماعي وفقدان الكياسة؛ والتدهور البيئي، وعدم المساواة في الحصول على الموارد والفرص. ونرى أيضا تسخير جدول أعمال حقوق الإنسان لخدمة أغراض سياسية. ومن جهة أخرى، تؤدي الاتجاهات الكاسحة مثل أزمة المناخ، والنمو السكاني والتوسع الحضري السريع إلى تغير حياتنا. والناس يُتركون خلف الركب. وهم خائفون. وفي الكثير جدا من الأحيان تمسك القيادات بعضها بتلابيب بعض لتحقيق مكاسب سياسية. وتضعُف الثقة بين الناس وبعض قادتهم. وفي الوقت نفسه، نعيش في عالم من الفرص التي لم يسبق لها مثيل. فالتقدم التكنولوجي الهائل والتنمية الاقتصادية في مختلف أرجاء العالم ينتشلان الملايين من براثن الفقر، ولدينا إطار عمل متفق عليه للمضي قدما يتمثل في خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وفي هذا المنعطف الحرج، يجب أن تشكل ظروفنا وقيمنا الإنسانية المشتركة مصدرا للوحدة، لا للانقسام. ويجب أن نمد الناس بالأمل ونقدم لهم رؤية لما يمكن أن يحمله المستقبل. ويساعدنا نظام حقوق الإنسان على مواجهة التحديات واستغلال الفرص وتلبية الاحتياجات في القرن الحادي والعشرين؛ وعلى إعادة بناء العلاقات بين الناس والقيادات؛ وعلى تحقيق ما نعتمد عليه جميعا من استقرار وتضامن وتعددية وشمول على الصعيد العالمي. وهو يدلنا على الطرق التي يمكننا من خلالها تحويل الأمل إلى عمل ملموس له تأثير حقيقي في حياة الناس. ويجب ألا يكون أبدا ذريعة للحصول على مكاسب في السلطة أو السياسة؛ فهو أعلى منهما شأنا.
ويصب الدفاع عن جميع حقوق جميع الناس في مصلحة الجميع. ومما له أهمية حاسمة أنه لا يمكننا أن نختار ما يناسبنا من الحقوق؛ فالسعي إلى إعمال جميع الحقوق لا غنى عنه لتحقيق أي منها. وسيكون من الخطأ التقليل من شأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على غرار ما يجري في كثير من الأحيان. ولكن سيكون من قبيل الانحراف عن جادة الصواب أيضا الاعتقادُ بأن تلك الحقوق كافية للاستجابة لتطلع الناس إلى الحرية. ونحن بحاجة إلى نداء إلى العمل يشمل نطاق الحقوق بكامله.
وفي أول يوم لي بصفتي أمينا عاما، تعهدت بجعل الكرامة الإنسانية جوهر عملنا. ومن الوجهة الواقعية، يعني ذلك تحقيق وعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال كل ما نقوم به. وهو يعني إعادة تنشيط سعينا إلى تحقيق تلك الحقوق والقيم الثابتة في سياق التحديات والفرص الجديدة.
ويتمثل الهدف الذي وضعتُه للأمم المتحدة - وهي تحتفل بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإنشائها - في تعزيز رؤية لحقوق الإنسان تتسم بطابعها التحويلي وتقدم حلولا وتستجيب مباشرة لتطلعات كل إنسان. وتحقيقا لهذه الغاية، يجب أن نوسع قاعدة الدعم الذي نقدمه لحقوق الإنسان من خلال التواصل مع المنتقدين والشروع في حوارات تشارك فيها أصغر وحدات المجتمع.
وينص الإعلان العالمي وصكوك حقوق الإنسان التي أعقبته على عقدٍ اجتماعي بين جميع البشر يمكن أن يعيش بموجبه كل فرد مع تحقيق أقصى إمكاناته. واليوم نحتاج إلى تجديد تلك الرابطة. ولئن كان يجب علينا أن نواصل السعي إلى تحقيق جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تتطلب عدة مجالات بذل جهد إضافي، إما لأن الفرصة سانحة لإحراز أوجه تقدم كبير في إعمال حقوق الإنسان، أو لأن الاحتياجات ماسة جدا والاتجاهات العامة إشكالية جدا إلى حد أن بذل المزيد من الجهد أصبح ضرورة. ويمثل بعض هذه المجالات إعادة تأكيد للعمل الجاري، في حين يجب علينا في مجالات أخرى أن نبذل جهدا يتجاوز الجهد الحالي بكثير.
ويقدم هذا النداء إلى العمل بعض المبادئ التوجيهية الشاملة ويحدّد سبعة من المجالات المذكورة هي: (1) الحقوق التي تقع في صميم التنمية المستدامة؛ (2) الحقوق في أوقات الأزمات؛ (3) المساواة بين الجنسين والمساواة في الحقوق للمرأة؛ (4) المشاركة العامة والحيز المدني؛ (5) حقوق الأجيال المقبلة، وخاصة العدالة المناخية؛ (6) الحقوق التي تقع في جوهر العمل الجماعي؛ (7) الآفاق الجديدة لحقوق الإنسان. وفي كل مجال من هذه المجالات، هناك خطوات محددة يمكن أن نتخذها معا في الأجل القريب للنهوض بجدول أعمال حقوق الإنسان.
وقد عقدتُ العزم على أن أضع كامل إمكانات مكتبي وأسرة الأمم المتحدة في خدمة النداء إلى العمل الذي نطلقه اليوم، مع تقديم الدعم الكامل للعمل البالغ الأهمية الذي يضطلع به المفوض السامي لحقوق الإنسان. وسننشئ أيضا آلية تنسيق من خلال التعاون الوثيق بين مكتبي ومفوضية حقوق الإنسان لضمان أن نتابع النداء إلى العمل. ومن المهم التشديد على أن حقوق الإنسان هي مسؤولية كل جهة من الجهات الفاعلة في الأمم المتحدة وأن ثقافة حقوق الإنسان يجب أن تتخلل كل ما نقوم به، في الميدان، وعلى الصعيد الإقليمي وفي المقر. وأتطلع بوجه خاص إلى قياداتنا في الميدان، بمن فيها رؤساء البعثات والمنسقون المقيمون، للقيام بدورها.
وأتطلع أيضا إلى العمل مع جميع الحكومات والشركاء لبث الحياة في هذا النداء إلى العمل وتقديم المساعدة من خلاله إلى جميع الناس، في جميع البلدان، على تحقيق ”أسمى ما ترنو إليه نفوس“ جميع البشر، وفقا لتعبير الإعلان العالمي.