الرضاعة الطبيعية هي أحد أفضل الاستثمارات التي يمكن للمجتمع القيام بها لأجل صحة الأطفال والنساء وبقائهم على قيد الحياة. على الرغم من وجود مجموعة كبيرة من الأدلة التي تؤكد فوائد الرضاعة الطبيعية وتشير إلى التدخلات اللازمة، فإن معدلات الرضاعة الطبيعية لم تتحسن كثيراً على مدى العقود القليلة الماضية. وفي الواقع، فإن الرضاعة الطبيعية آخذة في الانخفاض في بعض المناطق. إن تكلفة عدم القيام بالرضاعة الطبيعية هائلة وتؤثر على الأفراد والأسر والمجتمعات المحلية.
ولا تزال المرأة تواجه التحدي المتمثل في تحقيق التوازن بين الرضاعة الطبيعية والعمل. تتدخل الأقارب من الإناث لتقاسم المهام المنزلية والمعيشية في إطار الأسرة الممتدة التقليدية. وفي السنوات الأخيرة، اضطلع الرجال بدور أكثر نشاطاً في توفير الدعم الثنائي للرضاعة الطبيعية بين الأم والرضيع مما أدى إلى تحسين معدلات الرضاعة الطبيعية. ويكتسب مفهوم تقاسم الوالدين المسؤولية عن الأعمال المنزلية وأعمال الرعاية بما في ذلك الرضاعة الطبيعية، زخماً وينبغي دعمه على المستوى المجتمعي.
وأحد أكثر الأسباب شيوعاً لتقليص الرضاعة الطبيعية في وقت أبكر مما أوصت به منظمة الصحة العالمية هو ضرورة عودة المرأة إلى العمل و/ أو الافتقار إلى الدعم الذي تتلقاه في مكان العمل. وتعد إجازة الأمومة أمراً بالغ الأهمية للتمكين من الرضاعة الطبيعية المبكرة والحصرية والمستمرة. وترتبط إجازة الأمومة الأطول بانخفاض معدلات وفيات الرضع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ويخفض معدل وفيات الرضع بنسبة 13 في المئة لكل شهر إضافي من إجازة الأمومة المدفوعة الأجر.
ما يقرب من نصف بلدان العالم تفي بالمتطلبات الرئيسية الثلاثة لاتفاقية منظمة العمل الدولية (ILO) رقم 183: فهي تنص على ما لا يقل عن 14 أسبوعاً من الإجازة، بمعدل دخل لا يقل عن ثلثي الدخل السابق، مدفوعاً من قِبل التأمين الاجتماعي أو الأموال العامة. لسوء الحظ، يترك هذا 649 مليون امرأة دون حماية كافية للأمومة. ولا تمنح حوالي 50 دولة الحق في أخذ فترات راحة للقيام بالرضاعة الطبيعية، ومعظم البلدان لا تسمح إلا باستراحة لمدة ستة أشهر، على الرغم من التوصية بأن تستمر الرضاعة الطبيعية لمدة عامين أو أكثر بعد الولادة. ويعيش ما يقرب من ثلثي الآباء في بلدان لا يحق لهم فيها الحصول على إجازة أبوة تمكنهم من الارتباط بطفلهم ودعم الأم المرضعة. ويوصى بالإجازة الوالدية المتاحة حالياً في 68 بلداً من أصل 185 بلداً بعد إجازة الأمومة وفقاً لمعايير منظمة العمل الدولية لحماية الأمومة، ويمكن أن تساعد في سد الفجوة بين الجنسين. وتشمل الاحتياجات الأخرى غير الملباة للحماية الاجتماعية للأمومة والمهام الوالدية استبعاد فئات معينة من العمال وعدم الحصول على أجر كاف عن الإجازة وتشريعات مناهضة للتمييز. وتؤثر جميع هذه العوامل على الاستفادة من الحماية الحالية للأمومة والمهام الوالدية.
ويتطلب إنشاء الرضاعة الطبيعية الخالصة والحفاظ عليها حصول جميع الأمهات العاملات على إجازة أمومة مدفوعة الأجر مدتها 18 أسبوعاً على الأقل، ويفضل أن يكون ذلك لمدة 6 أشهر أو أكثر. ومن شأن إجازة الأبوة التي لا تقل عن 15 يوماً أو أكثر أن تمكن الآباء من توفير الدعم الثنائي للرضاعة الطبيعية. ويحتاج كلا الوالدين إلى معلومات عن مزايا الرضاعة الطبيعية وإدارتها وعن استحقاقاتهما في إجازة الأمومة والأبوة والإجازة الوالدية. وإذا كان الوالدان مدعومين من قبل أرباب العمل لدى عودتهما إلى العمل فمن المرجح أن يكونا قادرين على ضمان استمرار رضيعهما وأطفالهما الصغار في الحصول على الرضاعة الطبيعية.

وبمجرد عودة الأم إلى العمل، فإن توفير غرف صحية للرضاعة الطبيعية ومرافق التخزين واستراحات الرضاعة الطبيعية والوصول إلى رعاية الأطفال يمكن أن يساعدها على مواصلة الرضاعة الطبيعية طالما اختارت القيام بذلك. يعتبر توفير غرف للرضاعة الطبيعية واستراحات للرضاعة الطبيعية تدخلات منخفضة التكلفة يمكن أن تصبح جزءاً من سياسة صديقة للأسرة تنطوي على فوائد عديدة لمكان العمل. يمكن أن يؤدي التحول إلى مكان عمل ملائم للرضاعة الطبيعية إلى تقليل تغيب الموظفين وزيادة معدلات عودة الموظفين إلى العمل والرضا الوظيفي والاحتفاظ بهم. وتشمل النتائج الأخرى زيادة الإنتاجية والميزة التنافسية وتوفير التكاليف المرتبطة بمكان عمل أكثر صحة. يمكن أن تتحسن معدلات الرضاعة الطبيعية أيضاً وفقاً لذلك.
وتشمل الأحكام الهامة الأخرى للوالدين العاملين ترتيبات العمل المرنة، حيثما أمكن، لتمكين الأمهات من الرضاعة الطبيعية ومساعدة شركائهن في رعاية الأطفال ودعم الرضاعة الطبيعية. كما أن أحكام مكافحة التمييز وحماية الوظيفة مهمة للغاية بالإضافة إلى وجود بيئة داعمة للرضاعة الطبيعية.
نظراً لأن العودة إلى العمل يمكن أن تكون صعبة، فإن تقديم المشورة بشأن الرضاعة الطبيعية ودعمها قبل الولادة وبعدها سيساعد الأمهات العاملات على التغلب على التحديات المشتركة وبناء مهاراتهن وثقتهن. ويمكن تقديم هذا الدعم أو إتاحة الوصول إليه من خلال الإدارات الصحية في مكان العمل أو الوصول إلى مجموعات الدعم أو الاستشاريين في مجال الرضاعة.
وتشمل نقاط المناصرة الرئيسية ما يلي:
- مناصرة تحسين إجازة الأمومة والأبوة والإجازة الوالدية المدفوعة الأجر على المستوى الوطني لدعم الرضاعة الطبيعية الحصرية والمستمرة.
- تقديم المساعدة التقنية إلى الحكومات الوطنية وأرباب العمل لوضع سياسات ملائمة للرضاعة الطبيعية وتعزيزها وتنفيذها في مكان العمل لجميع فئات العمال بمن فيهم العاملون في القطاع غير الرسمي.
- المساعدة في تعبئة القدرات والموارد لتطبيق التشريعات والسياسات التي تدعم الرضاعة الطبيعية في سياق العمل ورصدها وإنفاذها.
- تطوير ونشر أدوات المناصرة لعرض أفضل الممارسات التي يمكن أن تلهم أماكن العمل الأخرى وصانعي السياسات.
- التعاون مع النقابات العمالية وغيرها من المنظمات الوطنية للدعوة إلى تعزيز الحماية الاجتماعية للوالدين التي تدعم الرضاعة الطبيعية.
يقوم التحالف العالمي للرضاعة الطبيعية (WABA) بتنسيق الحملة السنوية العالمية للأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية التي تجري في المقام الأول خلال الأسبوع الأول من شهر آب/ أغسطس. يركز موضوع الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية لعام 2023 (#WBW2023) على الرضاعة الطبيعية والتوظيف أو العمل. شعار الحملة العالمية هو "تمكين الرضاعة الطبيعية: إحداث فرق للآباء العاملين". ويهدف البرنامج إلى إظهار آثار الإجازة المدفوعة الأجر والدعم في مكان العمل ومعايير الرضاعة الطبيعية الناشئة لدى الوالدين كما يراها الآباء أنفسهم. سترى فئات الجمهور المستهدف، بما في ذلك الحكومات وواضعي السياسات والقطاعات الصحية وأرباب العمل والمجتمعات المحلية والآباء جميعاً أن لها أدواراً حاسمة في تمكين الأسر والحفاظ على البيئات الصديقة للرضاعة الطبيعية. تركز نسخة الأمم المتحدة من الحملة "دعونا نجعل الرضاعة الطبيعية والعمل أمراً ممكناً" على تحسين حقوق الأمومة والرضاعة الطبيعية.
مع أطيب تمنياتي بمناسبة الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية لعام 2023!
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.