11 أيلول/سبتمبر 2023

يضع التعاون فيما بين بلدان الجنوب (SSC)، الذي ولد من رحم التجارب المشتركة والقائم على التضامن، البلدان النامية في وضع يمكنها من التخفيف والتكيّف بفعالية مع اضطراب المناخ ومعالجة حالات الطوارئ الصحية العالمية ومعالجة الأهداف الإنمائية الشاملة الأخرى. وهو مسعى تعاوني بين البلدان النامية يهدف إلى التصدي للتحديات الإنمائية المشتركة من خلال تقاسم الموارد وأفضل الممارسات والخبرات.

وبينما ننظر في التقدم المحرز في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 عند منتصف الطريق في تنفيذها، من المثير للقلق أن نلاحظ أن البلدان تسير على الطريق الصحيح لتحقيق 15 في المئة فقط من الأهداف. غير أن الاستفادة من التعاون فيما بين بلدان الجنوب يمكن أن تساعد كثيراً في سد هذه الفجوة. تستفيد البلدان النامية بشكل متزايد من منظومة الأمم المتحدة دعماً للتعاون فيما بين بلدان الجنوب، بما في ذلك من خلال المساهمة في الصناديق الاستئمانية للتعاون فيما بين بلدان الجنوب التي يديرها مكتب الأمم المتحدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب (UNOSSC) والتي مكنت أكثر من 70 بلداً من تعزيز مبادرات التنمية المستدامة والعمل في شراكة مع أكثر من 20 وكالة تابعة للأمم المتحدة.

قد تبدو التحديات الماثلة أمامنا مستعصية على الحل، ولكن في يوم الأمم المتحدة هذا للتعاون فيما بين بلدان الجنوب (12 أيلول/ سبتمبر)، يذكرنا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش بأنه: "عندما تتحد الأمم، فإنها تستطيع التغلب على العقبات وتسريع التنمية المستدامة". ويمكننا أن نتجاوز المحنة معاً بتعزيز تضامننا وشراكتنا مع الدول النامية الشقيقة.

إطلاق العنان لإمكانات التعاون فيما بين بلدان الجنوب

يمكن لبلدان جنوب الكرة الأرضية التي تعمل عن كثب مع الشركاء الشماليين والأمم المتحدة، أن تضاعف نجاحاتها في مجال التنمية المستدامة وأن تحقق أفضل النتائج من خلال تنسيق جهودها والاستفادة من وفورات الحجم.

ومن مسؤوليتنا الجماعية أن نبني الجسور ونتخذ إجراءات عملية عاجلة لتوسيع نطاق النجاحات فيما بين بلدان الجنوب والدروس المستفادة.

خلال هذه الأوقات المضطربة وخاصة مع كشف جائحة كوفيد-19 عن أوجه عدم المساواة المجتمعية وتفاقم نقاط الضعف، تمكنا حقاً من أن نشهد قوة الشراكة فيما بين بلدان الجنوب. ونحن فخورون بمعرفة العديد من أمثلة التعاون فيما بين بلدان الجنوب في العمل: تقدم البلدان المساعدة الطبية أو الخبرة إلى جيرانها وتستفيد من موارد المعرفة لدى بعضها البعض وتقيم ممرات إنسانية وتجارية وتستضيف اللاجئين وتتبادل البحوث المشتركة، من بين إجراءات أخرى. ويذكرنا هذا التضامن بقوة التعاون فيما بين بلدان الجنوب في التغلب حتى على أشد العقبات صعوبة في جميع المجالات المواضيعية.

تبادل المعارف وبناء القدرات

تبادل المعارف هو أمر أساسي للتعاون فيما بين بلدان الجنوب لأنه يعزز فهم ما يصلح وما لا يصلح عند مواجهة التحديات المشتركة. ومن خلال تبادل الخبرات في قطاعات الزراعة أو العلوم أو التكنولوجيا أو الابتكار أو الأعمال التجارية - على سبيل المثال لا الحصر - يمكن للبلدان النامية تحسين قدرتها على الابتكار وحل المشكلات.

فعلى سبيل المثال، يقدم برنامج غالاكسي للتعاون فيما بين بلدان الجنوب الذي يديره مكتب الأمم المتحدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب، مجموعة من الحلول التي تم فحص فعاليتها فيما بين بلدان الجنوب والحلول الثلاثية. في الوقت الحالي، يقوم برنامج غالاكسي بتعزيز أكثر من 900 من الحلول الإنمائية التي تعالج مجموعة واسعة من تحديات التنمية الشاملة عبر جميع أهداف التنمية المستدامة (SDGs) والمجالات المواضيعية المتعددة. المنصة مفتوحة لجميع أصحاب المصلحة لتبادل الحلول وتوسيع نطاقها المحتمل.

ديما الخطيب، مديرة مكتب الأمم المتحدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب (UNOSSC). ‎2023, UNOSSC.

قام مكتب الأمم المتحدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب بالتعاون مع 30 كياناً من كيانات الأمم المتحدة، بوضع استراتيجية على نطاق منظومة الأمم المتحدة بشأن التعاون فيما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي من أجل التنمية المستدامة لتشجيع اتباع نهج منسق ومتسق إزاء العمل البرنامجي للأمم المتحدة. ويقوم مكتب الأمم المتحدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب أيضاً بإصدار مجموعة جديدة من المبادئ التوجيهية للعمل على الصعيدين القُطري والإقليمي لترسيخ التعاون فيما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي في أدوات الأمم المتحدة للتخطيط الإنمائي.

كما تقوم الصناديق الاستئمانية للتعاون فيما بين بلدان الجنوب التي يديرها مكتب الأمم المتحدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب بتعزيز الابتكار وتكرار النماذج الناجحة بما في ذلك من خلال مشاريع إيضاحية يمكن تكرارها، وهي مشاريع توسّع نطاق الشمول المالي الرقمي من خلال خطط التأمين المناخي التي تراعي مصالح الفقراء وتوسّع نطاق التعلّم الإلكتروني في مجال الصحة وتمكّن المجتمعات المحلية الضعيفة من سداد المدفوعات الرقمية للمرافق الصغيرة.

تعزيز الشراكة الاقتصادية

سيخلق تعزيز الشراكات الاقتصادية أيضاً شبكة مترابطة من العلاقات التجارية التي تعزز الأسواق الإقليمية وتدعم في الوقت نفسه تطوير الشراكات العالمية. وقد يسرت الأمم المتحدة إقامة شراكات اقتصادية واتفاقات تجارية إقليمية فيما بين البلدان النامية مما عزز قدرتها الاقتصادية على الصمود والاعتماد على الذات. فعلى سبيل المثال، دعم مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بنشاط التكتلات التجارية الإقليمية ويسر مبادرات بناء القدرات التجارية مما مكن البلدان النامية من الاستفادة من إمكاناتها الاقتصادية وتعزيز علاقاتها التجارية الدولية. ولا تعزز هذه الشراكات النمو الاقتصادي فحسب بل تخلق أيضاً فرصاً لتبادل الاستراتيجيات الاقتصادية التي تعطي الأولوية للاستدامة والشمولية.

ويجب على المجتمع الدولي أن يجد سبلاً لتعزيز التنسيق بشأن شفافية الديون وإعادة هيكلتها، لا سيما بالنسبة للبلدان التي تعاني من ضائقة الديون.

والمطلوب هو تعبئة موارد عامة جديدة وإضافية لتمويل أهداف التنمية المستدامة. وقد اقترح الأمين العام للأمم المتحدة إنشاء حافزاً لأهداف التنمية المستدامة بقيمة 500 مليار دولار سنوياً لهذا الغرض.

إننا بحاجة إلى توجيه هذه الموارد إلى البلدان التي تمر بظروف خاصة وتواجه تحديات هائلة تنفرد بها تلك الظروف، مثل البلدان النامية غير الساحلية (LLDCs). ولدينا فرصة للمساعدة في وضع بديل لبرنامج عمل فيينا، (VPoA، الذي تنتهي صلاحيته في عام 2024) والذي يعزز التعاون فيما بين بلدان الجنوب لمساعدة البلدان النامية غير الساحلية على التغلب على العقبات المتعلقة بمواقعها النائية وبُعدها عن الأسواق العالمية. وستكون زيادة الاستثمارات من أجل تطوير البنية التحتية والدعم التقني لبناء القدرات البشرية والإنتاجية أمراً حاسماً بالنسبة للبلدان النامية غير الساحلية التي تتخلف عن تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة.

العدالة المناخية

ثمة مجال آخر أكثر إلحاحاً يجب فيه تسخير قوة التعاون فيما بين بلدان الجنوب وهو السعي إلى تحقيق العدالة المناخية. إن البلدان النامية تتحمل العبء الأكبر من آثار تغيّر المناخ. ومن خلال الجهود التعاونية، يمكننا أن نجمع مواردنا وخبراتنا للتكيّف بشكل أفضل مع عواقب تغيّر المناخ والسعي إلى إيجاد بدائل تعتمد على الطاقة المستدامة.

وقد اضطلعت الأمم المتحدة بدور حاسم في تعزيز التعاون فيما بين بلدان الجنوب في مجال التخفيف من آثار تغيّر المناخ والتكيّف معه. تقوم بلدان الجنوب من خلال الجهود التعاونية بتجميع مواردها لتطوير واعتماد تكنولوجيات تخفف من آثار تغيّر المناخ وتعزز النمو المستدام.

ومن الضروري الوفاء بالالتزامات تجاه صندوق الخسائر والأضرار المقترح ومضاعفة تمويل جهود التكيّف وتجديد موارد الصندوق الأخضر للمناخ.

التعليم وتنمية المهارات

أخيراً، فإن التعليم وتنمية المهارات أمران أساسيان لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ومن خلال التعاون في المبادرات التعليمية وتبادل أفضل الممارسات في مجال تنمية المهارات، يمكننا إعداد الأجيال لمواجهة تحديات المستقبل مع ضمان الإدماج الاجتماعي والتقدم. وقد دعمت الأمم المتحدة التعاون فيما بين بلدان الجنوب في مجال التعليم عن طريق تيسير تبادل الطلاب وتقاسم الموارد التعليمية وتعزيز برامج التدريب. على سبيل المثال، يعمل صندوق الشراكة الإنمائية بين الهند والأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في نيكاراغوا على تعزيز القدرات المؤسسية لإدماج الأطفال ذوي الإعاقة في النظام التعليمي. وقد طور المشروع أول درجة ماجستير وطنية في التعليم الشامل وتحسين البنية التحتية في 15 مدرسة والتي تعمل الآن كنماذج أولية للتوسّع. وفي فيتنام، يتم تنفيذ مشروع تابع لمرفق مجموعة بلدان الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل للتخفيف من حدة الفقر والجوع (IBSA) تديره منظمة الصحة العالمية نهجاً مبتكراً للتعلم الإلكتروني في المجتمعات الساحلية والريفية.

وتعمل هذه الجهود على تمكين البلدان النامية من بناء قوى عاملة ماهرة وتعزيز رأس المال البشري وإرساء الأساس للتقدم الاقتصادي المستدام.

المضي قُدماً

من الضروري أن ندرك أن طريقنا نحو أهداف التنمية المستدامة يتطلب الوحدة والتفاهم والشراكة بينما نحتفل بيوم الأمم المتحدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب والتحضير لقمة أهداف التنمية المستدامة ومؤتمر قمة الطموح المناخي (نيويورك، 18-19 و20 أيلول/ سبتمبر 2023، على التوالي)، والمؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP 28) (دبي، الإمارات العربية المتحدة، 30 تشرين الثاني/ نوفمبر - 12 كانون الأول/ ديسمبر 2023) بالإضافة إلى الأحداث المستقبلية الأخرى. إن التعاون فيما بين بلدان الجنوب ضروري لإطلاق العنان لإمكانات كل دولة تشارك في هذه الرحلة المشتركة.

وكانت مساهمات الأمم المتحدة في التعاون فيما بين بلدان الجنوب مفيدة في النهوض بأهداف التنمية المستدامة فيما بين البلدان النامية. ومن خلال تبادل المعارف وبناء القدرات والشراكات الاقتصادية والتخفيف من آثار تغيّر المناخ ومختلف المبادرات الأخرى، عززت الأمم المتحدة روح التعاون والتضامن بين الدول في الجنوب العالمي. وبينما نتحرك نحو عالم أكثر ترابطاً، يظل التعاون فيما بين بلدان الجنوب عنصراً أساسياً في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الرخاء للجميع.

إن استمرار التزام الأمم المتحدة بدعم هذه الجهود هو أمر حاسم لبناء مستقبل أكثر شمولاً وإنصافاً واستدامة.

 

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.