في أعقاب أزمة كوفيد-19 غير المسبوقة، شهد العالم مرونة وقدرة المعلمين على التكيّف، الذين لعبوا دوراً محورياً في ضمان استمرارية التعلّم أثناء الجائحة العالمية. بينما نحتفل باليوم العالمي للمعلمين في 5 تشرين الأول/ أكتوبر، يجب علينا التفكير في الدور الحاسم للمعلمين في إعادة بناء التعليم والنهوض بأهداف التنمية المستدامة (SDGs). نحن نفعل ذلك على خلفية النقص العالمي المتزايد في المعلمين.
وما خلفته الجائحة من تأثير عميق على التعليم والطلاب والمجتمعات المحلية. قام المعلمون الذين يعملون في ظل ظروف صعبة بدمج التعلّم عن بُعد بشكل مبتكر للوصول إلى الطلاب. لم يكن التحول السريع إلى المنصات الرقمية يقتصر فقط على إتقان التكنولوجيا الجديدة؛ لقد تضمن ذلك قيام المعلمين بالتواصل عبر الفجوة الرقمية، والتأكد من أن كل طالب(ة)، بغض النظر عن ظروفه، يشعر بأنه مرئي ومسموع ومُقدَّر.
كما أثرت الجائحة سلباً على المعلمين أنفسهم وفاقمت النقص العالمي المتزايد في المعلمين. وفقاً للتقديرات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في عام 2016، يحتاج العالم إلى ما يقرب من 69 مليون معلم(ة) إضافي بحلول عام 2030 لتحقيق التعليم الأساسي الشامل، الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة (SDG 4) ولكن الاتجاهات الحالية ترى هذا العجز في ازدياد.
يعمل المعلمون اليوم فوق طاقتهم، ويتم التقليل من قيمتهم ويتقاضون أجوراً منخفضة، ويضطر المزيد منهم إلى ترك المهنة. وفي الوقت نفسه، فإن عدداً أقل من الشباب يطمحون إلى أن يصبحوا معلمين. وليس من الصعب معرفة السبب. فقد تدهورت ظروف العمل، ولم تواكب الأجور مستويات التضخم، وارتفعت أعباء العمل بشكل كبير، وتم استبدال الاستقلالية المهنية بشكل مطرد بضوابط وبيروقراطية لا تنتهي.
الفريق الرفيع المستوى المعني بمهنة التدريس: التزام الأمم المتحدة
اتخذت الأمم المتحدة خطوة جديرة بالثناء إلى الأمام اعترافاً بالدور الحاسم للمعلمين، فأنشأت الفريق الرفيع المستوى المعني بمهنة التدريس في 19 حزيران/ يونيو 2023. وقد انبثق الفريق عن قمة تحويل التعليم لعام 2022، التي شددت على الحاجة إلى نهج شامل لمواجهة تحديات التعليم العالمية. وخلال القمة، التزمت أكثر من 100 دولة بجوانب مختلفة من التحوّل التعليمي بما في ذلك تعزيز مهنة التدريس وتمويل التعليم.

ومن الأمور الأساسية في فرضية اللجنة رفيعة المستوى أن المعلمين هم قلب جميع أنظمة التعليم، وأن رفاهيتهم وظروف عملهم تحدد ظروف تعلّم الطلاب. ومن الضروري تمويل التعليم العام، والاستثمار في المعلمين، وضمان حقوقهم الوظيفية، وضمان سلامة ظروف عملهم. ولا يقتصر الاستثمار في التعليم على التمويل فحسب، بل يتعلق باحترام وتقدير الخبرة التربوية وإشراك المعلمين في عمليات صنع القرار.
إن مهمة الفريق الرفيع المستوى واضحة: التأكد من أن كل طالب(ة) يستفيد من معلم(ة) مدرب مهنياً ومؤهل ومدعوم بشكل جيد. وسيقدم الفريق، الذي يضم ممثلين عن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والأوساط الأكاديمية ونقابات المعلمين والمجتمع المدني، توصيات قابلة للتنفيذ لتوجيه الحكومات نحو نظم التعليم التحويلية. ومن المتوقع أن تؤثر هذه الأفكار تأثيراً كبيراً على مؤتمر قمة الأمم المتحدة للمستقبل المقرر عقده في عام 2024. وسيتم إطلاق توصيات الفريق في الأشهر المقبلة، وستكون بمثابة دليل لدعم مهنة التدريس لضمان الحق في التعليم لجميع المتعلمين في جميع أنحاء العالم.
توجيهات أساسية من الفريق
تشدد توصيات الفريق الرفيع المستوى على أهمية المعلمين وتقدم توجيها واضحاً:
تمكين بيئات التدريس: يحتاج المعلمون إلى بيئات داعمة للقيام بعملهم بفعالية. ويرتكز هذا على الموارد الكافية والثقة والاحترام والاعتراف المجتمعي.
حماية الحقوق والحريات: نحن بحاجة إلى دعم حقوق المعلمين بما يتماشى مع المعايير الدولية، وضمان حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات والحرية الأكاديمية. المعلون المحميون هم معلمون متمكنون. وحماية حقوقهم أمر غير قابل للتفاوض.

مسارات التعلّم المرنة: ينبغي أن نشجع مسارات التعلّم التعاونية، والابتعاد عن مقاييس التقييم الصارمة والضيقة. إن النهج الواحد الذي يناسب الجميع لا يفي بالغرض، إذ ينبغي للتعليم أن يلبي الاحتياجات المتنوعة.
السياسات المصممة: ينبغي للبلدان أن تتبع سياسات تعليمية وطنية شاملة وتكاملية وضعت بالتشاور مع المعلمين ونقاباتهم. ومن الأهمية بمكان وضع خريطة طريق لتوظيف المعلمين وتدريبهم ودعمهم.
الإنصاف والتنوع والإدماج: نحن بحاجة إلى تعزيز قوة عمل تعليمية متنوعة، وتوفير المسارات والحماية والتدريب للفئات المهمشة والضعيفة.
الدعم في مناطق الأزمات: يجب أن نكفل تقديم دعم ملموس للمعلمين في المناطق المتأثرة بالأزمات من خلال سياسات واضحة وفرص للتطوير المهني وتخصيص بدلات للمخاطر.
إعادة تصور التعليم كمنفعة عامة
تدعم المنظمة الدولية للتعليم (EI) جهود الفريق الرفيع المستوى لتعزيز مهنة التدريس. بيد أن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذه التوصيات إلى إجراءات ملموسة. إن الطريق خلفنا مليء بالبدع التعليمية الباهظة الثمن وغير المجدية والتي صرفت انتباهنا عن التنفيذ المركز وألحقت الضرر بالثقة المطلوبة التي يتطلبها التحوّل. يجب على الحكومات على مستوى العالم الالتزام بتنفيذ استراتيجيات شاملة لمعالجة نقص المعلمين.
في أعقاب جائحة كوفيد-19، وبينما نعيد البناء ونعيد التصور، يعد الاستثمار في معلمينا ضرورة عالمية. المعلمون هم في قلب مستقبلنا الجماعي. إنهم يستحقون التقدير والدعم الملموس في شكل موارد وتدريب وسياسات.
في هذا اليوم العالمي للمعلمين، دعونا نتجاوز التفاهات. دعونا نلتزم – ليس بالقول، بل بالأفعال – بضمان أن يكون معلمونا مجهزين جيداً، ويتم تقديرهم والاستماع إليهم. إن معالجة التحديات التي تواجهها مهنة التدريس اليوم تمهد الطريق لعالم أكثر إنصافاً واستدامة. لقد حان وقت العمل.
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.