27 أيلول/سبتمبر 2017

اليوم، يواجه عالمنا تحدياً لفهم عصر الأنثروبوسين والعيش خلاله. على الرغم من أن هذه الحقبة لم يتم الاعتراف بها رسمياً، إلا أنه من المقبول بشكل متزايد أننا نمر بقسم خاص من الجدول الزمني الجيولوجي، قسم يحدث فيه النشاط البشري تأثيراً مباشراً على كوكبنا من حيث المناخ وتوافر الموارد الطبيعية.

وقد نشأت المنافسة العالمية لاستغلال الموارد الطبيعية من أجل استدامة نماذج التنمية الحالية في الاعتراف بالمحيط باعتباره امتداداً لأراضي البر الرئيسي. وإذا ما تَمَّ اعتبار الفضاء البحري على مدى قرون كفضاء للتنقل - طريقاً سريعاً إلى أماكن أخرى - فيجري حالياً تطبيق المفاهيم "الأرضية" على المحيط.

ويرتبط هذا التغيير بزيادة المعرفة بشأن البحار ومواردها، فضلاً عن التقدم التكنولوجي الذي سَهَّلَ استكشاف المحيط. إن النظام العام للمحيطات، الذي يتضمن مكوناً إقليمياً كبيراً يقوم على تقسيم واضح بين السيادة الوطنية والولاية القضائية وحريات أعالي البحار خارج الحدود البحرية الحالية، هذا النظام قد خدم الظروف التي أُنشِيء من أجلها بشكل جيد، وهو يوفر الاستقرار واليقين القانوني الضروريين لتطوير اقتصاد البحر وازدهاره.

ولكننا نعرف الآن أنَّه بحلول الوقت الذي دخلت فيه اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) حيز النفاذ في عام 1994، أصبح عدد من التحديات التي تهدد المحيطات والموارد البحرية أكثر وضوحاً وتم فهمها بشكل أفضل، وكانت هذه التحديات منفصلة إلى حد ما عن فكرة الأراضي والسيادة. وتوفر اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) سبلاً للاستجابة للمشاكل البيئية فيما يتعلق بمحيطات العالم وتسمح لنا بإدراج تلك النُهُج في عمليات صنع القرار. كما أنَّها توفر لنا أدوات لإدارة هذه القضايا حتى يمكن التوصل إلى حلول تتجاوز الحدود الوطنية لكل دولة ساحلية. بيد أنَّ الأسس التي وضعتها الاتفاقية لا تكفي للاستجابة للتهديدات العالمية الناشئة. ومن المستحيل معالجة أمثلة مثل تحمض المحيطات، والتلوث البحري، ونضوب الأرصدة السمكية، وتدهور النظم الإيكولوجية البحرية، وحلها من وجهة نظر السيادة الوطنية والولاية البحرية فقط. إننا بحاجة إلى نهج شامل ومشترك في إدارة محيطاتنا على نحوٍ مستدام.

ولهذا السبب، تلتزم البرتغال التزاماً تاماً بالعمل من أجل التوصل إلى اتفاق جديد لتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) بشأن حفظ التنوع البيولوجي البحري واستخدامه على نحوٍ مستدام في المناطق الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية. وينبغي أن يعكس الاتفاق الجديد أفضل العلوم المتاحة، وينبغي أن تتضمن عمليات صنع القرار المنصوص عليها في الاتفاق هذا الشاغل. وينبغي لنا أن نعترف بالمساهمة التي يمكن، بل ويجب، أن يسهم بها هذا الاتفاق في تنفيذ الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة من خطة عام 2030، الذي يتناول المحيطات، ووقف تدهور صحة المحيطات وعكس اتجاهه.

لأسباب تاريخية وثقافية واقتصادية، شكل المحيط حياة الشعب البرتغالي والطرق التي نتصل بها مع الآخرين وننتمي بها إلى المجتمع الدولي. وبصفتنا بلداً بحرياً، فإن المحيط يشكل عنصراً أساسياً وتكوينياً لهويتنا. ودعماً للهدف المتمثل في تعزيز وتقوية الإدارة العالمية للمحيطات على أساس نهج شامل وتعاوني، أنشأت حكومة البرتغال، في عام 2015، وزارة شؤون البحار، المسؤولة عن تنسيق الشؤون البحرية، وتعزيز اقتصاد مستدام للمحيط، وتشكيل ورصد سياسات المحيط القائمة على المعرفة العلمية والابتكار والتنمية التكنولوجية.

وتضطلع الوزارة بدور شامل لعدة قطاعات، وتنسق عدة قضايا، وتنسق كذلك عمل المؤسسات المقابلة التي اعتمدت تقليدياً على وزارات قطاعية أخرى. وتدعم هذه المؤسسات التخطيط والمعرفة المتصلة بالمحيطات، فضلاً عن تنفيذ سياسات لحماية الموارد البحرية واستغلالها؛ وتعزيز الوجود الفعال في البحر واستخداماته؛ والاقتصاد البحري المستدام؛ وتنسيق المشاركة الوطنية في الهيئات الأوروبية والدولية المسؤولة عن تصميم ورصد السياسات البحرية.

وتشكل المناطق البحرية الخاضعة للسيادة الوطنية أو الولاية القضائية - البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة (EEZ) والجرف القاري، والتي تم توسيعها في نطاق الاقتراح المقدم من حكومة البرتغال إلى الأمم المتحدة في عام 2009 – تشكل واحدة من الأصول الرئيسية للتنمية المستقبلية للبلاد.  أما بالنسبة للموارد البيولوجية والجينية والمعدنية والطاقة التي تحتويها هذه المناطق، فتشمل آفاقاً مفتوحة للتنقيب يمكنها أن تجعل من البرتغال نموذجاً للنمو الاقتصادي، وقبل كل شيء، بوصفها حامية للتنوع البيولوجي البحري. وعلاوة على ذلك، تعد البرتغال رائدة في الحفاظ على النظم الإيكولوجية البحرية الخاصة خارج منطقتها الاقتصادية الخالصة، مثل الفتحات الحرارية المائية في جزر الأزور، التي تقدم البرتغال تقاريرها عنها إلى شبكة المناطق البحرية المحمية التي أنشأتها لجنة اتفاقية حماية البيئة البحرية في شمال شرق المحيط الأطلسي (لجنة أوسبار).

وفي هذا السياق الوطني، من المهم التصدي للتحدي المتمثل في تحقيق التوازن بين حماية البيئة والنمو الاقتصادي. ونحن نرى أنَّ الابتكار التكنولوجي والتجاري يمكن أن يوفق بين حماية التنوع البيولوجي البحري وحقوق الدول ذات السيادة، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية. وبالنسبة للبرتغال، فإن الابتكار ونقل المعارف والخبرات من قطاعي العلم والتكنولوجيا إلى المجتمع المدني يمهد السبيل أمام سكان العالم لإقامة علاقة أكثر استدامة مع البيئة البحرية، مع زيادة كفاءة استخدام الموارد مما يؤدي إلى تأثيرات أقل على البيئة.

إنَّ المعرفة هي المحرك الذي يمكن أن يغير من إمكانات الموقع الجغرافي الاستراتيجي للبرتغال في المجالات التالية:

  1. خلق قيمة مضافة في الأنشطة الاقتصادية التقليدية مثل مصائد الأسماك ونشاط الموانئ، وتعزيز الاقتصاد الحيوي الدائري، وتجنب إهدار الموارد وإعادة تحويل النفايات الصناعية. ويشير ذلك بالتحديد إلى تعظيم استخدام الحياة البحرية التي تم صيدها بالفعل، مما يقلل من مستويات المصيد، أو جمع القمامة البحرية، التي يمكن إعادة تدويرها وإعادة تحويلها إلى منتجات جديدة.
  2. مصادر جديدة للنمو المستدام توفرها مجموعة من الأنشطة الناشئة، من التكنولوجيا الحيوية إلى الطاقة المتجددة للمحيطات.
  3. استخدام أدوات لتخطيط المساحات البحرية ورصدها وإدارتها، وذلك لضمان الاستخدام المستدام للموارد. والبرتغال أيضاً في وضع يمكنها من الاضطلاع بدور هام في استخدام المناطق البحرية المحمية كآلية فعالة لإدارة نظم إيكولوجية بحرية محددة. إن هدفنا على المدى القصير هو حماية 10 بالمئة من مساحاتنا البحرية.

وفي هذا الصدد يجب أن نقوم بنقلة نوعية. إننا لم نعد نرغب في الاكتفاء برصد الآثار؛ وسوف نسعى إلى تطبيق نهجاً تحوطياً لتجنب القيام بأنشطة يمكن أن تؤثر سلباً على المحيط.

ولتحقيق كل ذلك، يجب علينا أيضاً أن نمارس سيادتنا.

لذلك، فإننا نريد القيام بما يلي:

  1. ضمان وجود فعال في البحار من خلال توفير ما يكفي من قدرات الدفاع والأمن والتفتيش التي تشمل السفن والطائرات وأنظمة المراقبة الحديثة؛ ودعم احترام القانون والنظام والأمن البشري، والدفاع عن المصلحة العامة في مناطق البحث والإنقاذ البحرية الخاضعة للولاية الوطنية أو في إطار الشراكات؛ وإصدار التراخيص وتنظيم امتيازات الأنشطة الاقتصادية في المناطق البحرية الخاضعة للسيادة الوطنية أو الولاية القضائية.
  2. تعزيز التثقيف بطبيعة المحيط، وهو عنصر أساسي لزيادة وعي السكان البرتغاليين بأهمية المحيط في حياتنا اليومية ولتدريس الأجيال الجديدة للفوائد التي توفرها النظم الإيكولوجية المحيطية للمجتمع، من خلال إدراج محتوى محدد في المناهج الدراسية وأنشطة البحر في البرامج الرياضية المدرسية، فضلاً عن برامج التوعية للبالغين.
  3. تعزيز إدارة البحار وحماية موارد رأس المال الطبيعي وموارد النظام الإيكولوجي البحري من خلال وضع أولويات للعمل تحافظ على رأس المال هذا وتعززه من خلال شبكة متماسكة إيكولوجياً من المناطق البحرية المحمية استناداً إلى خطط الإدارة السليمة التي تسهم في تعظيم قيمتها ضمن نطاق اقتصاديات المحيط.

ولكي ينجح ذلك، من الضروري توليد معارف تتعلق بالموارد الهائلة للمحيطات والبحار وإدارتها. ويتطلب ذلك استثماراً استراتيجياً في البحث العلمي البحري، الذي يُمكّن في الأجلين المتوسط والطويل من تحقيق نمو سريع ومستدام. كما أن المعرفة المعززة لموارد المحيطات في الميادين البيولوجية والبيوتكنولوجية والجيولوجية والمعدنية والطاقة، ستجعل من البرتغال شريكاً استراتيجياً في المجتمع الدولي. ولذلك، فإنَّ الحكومة مصممة على الاستثمار في توليد المعرفة عن البحار البرتغالية كأصل استراتيجي.

ويهدف هذا الالتزام بمعرفة المحيط إلى تعزيز قطاعي العلوم والتكنولوجيا البحرية الوطنيين بوصفهما مولدين لرأس المال البشري المؤهل تأهيلاً عالياً والمسلح بدراية عالية الجودة، فضلاً عن إنشاء سمعة دولية تسمح لنا بإدخال الابتكار في منتجات قطاع البيئة البحرية والعمليات المتعلقة به. وهذا الالتزام ضروري لإدارة المحيطات، فضلاً عن مواصلة تطوير الاقتصاد الوطني للبحار. وهكذا، فإن المعرفة بالبحار والمحيطات ستعزز استدامتها. وسيتيح هذا النهج للبرتغال التنافس في مجالات من قبيل التكنولوجيا الأحيائية البحرية، مما يتيح فرصة لإنشاء تطبيقات صيدلانية وطبية جديدة ومبتكرة؛ والتكنولوجيات البحرية، بما في ذلك الروبوتات تحت الماء، وهياكل المحيطات العائمة والمنصات البحرية؛ ونظم رصد المحيطات ونمذّجة الحواسيب الفائقة، مما سيتيح الرصد المستمر للحالة البيئية للمحيطات وآثار النشاط البشري وتغير المناخ عليها.

كما يتطابق نهج البرتغال إزاء اقتصاديات المحيط مع القضايا الرئيسية التي تجري مناقشتها حالياً على الصعيد الدولي، مثل الحصول على الموارد الجينية البحرية وتقاسم المنافع؛ وأدوات الإدارة المكانية البحرية، بما في ذلك المناطق البحرية المحمية؛ وتقييم الأثر البيئي؛ وتنمية القدرات وتنفيذ التكنولوجيا المبتكرة. وتندرج هذه القضايا في صميم رؤية البلد من أجل الاستخدام المستدام والعادل للمحيط.

وستتاح لي الفرصة لمناقشة هذا الموضوع وغيره من المسائل في مؤتمر المحيط في نيويورك في حزيران/ يونيو 2017. كما أدعو الجميع إلى اجتماع المحيط الذي سيتم عقده في لشبونة في الفترة من 7 إلى 8 أيلول/ سبتمبر 2017، تحت شعار "المحيط وصحة الإنسان". وفي هذا الاجتماع، نعتزم إنشاء رؤية مشتركة للآثار الإيجابية والسلبية التي تحدثها المحيطات على الصحة البدنية والعقلية البشرية.

يتعين علينا جميعاً أن ندرك اعتمادنا على المحيطات، وذلك على جميع المستويات، ويجب أن نعمل لضمان استدامة المحيطات الآن وللأجيال المقبلة كذلك.

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.