تنفس المجتمع التعليمي الدولي الصعداء بشكل جماعي عندما أُدرج هدف قائم بذاته بشأن التعليم ضمن أهداف التنمية المستدامة التي اقترحها الفريق العامل المفتوح باب العضوية التابع للجمعية العامة في تموز/يوليه 2014.

               وفي مرحلة سابقة من عملية الفريق العامل، كانت هناك شواغل حقيقية من أن التعليم قد لا يظهر بوصفه هدفا قائما بذاته، أو أن يتكرر ما حدث في عام 2000 عندما لم يرق نطاق الخطة الدولية الخاصة بالتعليم إلى الطموح والنهج الكلي الذي حدده المجتمع التعليمي.

               وفي نيسان/أبريل 2000، اجتمع العالم في داكار، بالسنغال، في منتدى التعليم العالمي واعتمد ستة أهداف ترمي إلى توفير التعليم للجميع.  وألزم ذلك الاجتماع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بما يلي: 1) توسيع نطاق الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة؛ 2) وتعميم التعليم الابتدائي؛ 3) وتحسين إمكانيات الوصول إلى تعلم المهارات الحياتية؛ 4) وتحقيق تحسن بنسبة 50 في المائة في إلمام الكبار بالقراءة والكتابة؛ 5) وتحقيق المساواة بين الجنسين؛ 6) وتعزيز جودة التعليم. وبعد ذلك ببضعة أشهر، تم وضع ثمانية أهداف إنمائية للألفية في الأمم المتحدة. وظهر من بين الأهداف الإنمائية للألفية هدف تعميم التعليم الابتدائي (الهدف 2 من الأهداف الإنمائية للألفية) وغايةٌ تتعلق بتحقيق المساواة بين الجنسين في التعليم، كجزء من الهدف المتعلق بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (الهدف 3).

               وتُتاح الآن فرصة بارزة لتقديم رؤية أكثر طموحا للتعليم في خطة التنمية لما بعد عام 201. وقد بدأت الأعمال التحضيرية قبل أكثر من سنتين في عام 2012، عندما شرع المجتمع التعليمي الدولي، بقيادة مشتركة بين اليونيسكو ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، في إجراء مشاورات موسعة ومكثفة من أجل تحديد خطة التعليم المستقبلية. وتُوجت هذه العملية المكثفة باتفاق مسقط الذي اعتمد في الاجتماع العالمي لتوفير التعليم للجميع المعقود في سلطنة عمان في أيار/مايو 2014، والذي يمثل رؤية مشتركة للتعليم في المستقبل.

               وبذلك تمت طمأنة المجتمع التعليمي العالمي بأن الهدف 4 المقترح من أهداف التنمية المستدامة، الذي يدعو المجتمع الدولي إلى ”ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع "، متوائم بشكل وثيق مع الهدف المقترح في اتفاق مسقط. وعلى الرغم من وجود بعض أوجه التباين بين الغايات الواردة في اتفاق مسقط وتلك التي اقترحها الفريق العامل مفتوح باب العضوية، تضع الغايات السبعة ووسائل التنفيذ الثلاث الواردة في إطار الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة خطة طموحة للتعليم من شأنها أن تمهد الطريق نحو مستقبل مستدام وقادر على إحداث التحول.

               وتناصر اليونيسكو، باعتبارها الوكالة المتخصصة التابعة للأمم المتحدة في مجال التعليم، اقتناعا مفاده أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان ويرتبط ارتباطا وثيقا بإعمال الحقوق الأخرى. وعلى هذا النحو، يكون التعليم منفعة عامة للأفراد جميعا وأساس تحقيق الذات الإنسانية، والسلام، والتنمية المستدامة، والمساواة بين الجنسين، والمواطنة العالمية المسؤولة. ويمثل التعليم، بوصفه محفزا للتنمية، مساهما رئيسيا في الحد من عدم المساواة وخفص الفقر؛ كما أن إمكانية الوصول بشكل كامل إلى التعليم الجيد في جميع المستويات شرط أساسي للتعجيل بإحراز تقدم صوب تحقيق أهداف التنمية المستدامة الأخرى. وبعبارة أخرى، تبدأ التنمية المستدامة مع التعليم.

               وقد حققت أهداف توفير التعليم للجميع والأهداف الإنمائية للألفية المتفق عليها دوليا مكاسب بعيدة المدى خلال الخمسة عشر سنة الماضية. وقد استخدمت البلدان هذه الأهداف كغايات ومعايير من أجل حشد الإرادة السياسية المحلية للإصلاح وتحسين نظمها التعليمية، في حين استخدمها المانحون لجعل سياساتهم وأولوياتهم في تقديم المساعدة الإنمائية في مجال التعليم متماشية مع الأهداف والغايات الدولية.

               ومنذ عام 2000، أحرز المجتمع الدولي تقدما هائلا في توسيع نطاق الفرص التعليمية، وجعلَ التعليم والتعلم واقعا ملموسا بالنسبة لملايين الأطفال والمراهقين. وعلى الرغم من النمو السكاني السريع، انخفض عدد الأطفال في سن الدراسة الابتدائية غير الملتحقين بالمدارس بنسبة 42 في المائة بين عامي 2000 و2012، وشهد هذا العدد انخفاضا أكبر بالنسبة للفتيات بلغ نسبة 47 في المائة. وانخفض عدد المراهقين غير الملتحقين بالمدارس أيضا بنسبة 31 في المائة بين عامي 1999 و2011؛ بينما ارتفع خلال الفترة نفسها المعدل الإجمالي للالتحاق بالتعليم ما قبل الابتدائي من 33 إلى 50 في المائة. ومن أصل 161 بلدا تتوفر بيانات بشأنها، ارتفع عدد البلدان التي حققت التكافؤ بين الجنسين من 91 في عام 1999 إلى 101 في عام 2011.

               وتبين هذه النجاحات الخارقة أن الحلول القابلة للتحقق والقياس في المتناول، وأن من شأنها إطلاق الإمكانات الكامنة في جميع المتعلمين وإيجاد عالم يملؤه الرخاء والصحة والعدل والمساواة. ولذلك يجب على المجتمع الدولي أن يبني على هذه الإنجازات والدروس المستفادة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وأن يواصل في الوقت نفسه إيجاد الحلول والنُّهج المبتكرة من أجل التعامل مع الأعمال غير المنجزة لبرنامج توفير التعليم للجميع. فعلى الرغم من أننا قطعنا شوطا طويلا، لا يزال هناك ما يقدر بنحو 58 مليون طفل لا يذهبون إلى المدرسة وما يناهز 100 مليون طفل لا يكملون التعليم الابتدائي. وأدى ضعف نوعية التعليم في المرحلة الابتدائية إلى مغادرة نحو 250 مليون طفل للمدارس دون تعلم القراءة أو الكتابة أو الحساب، ولا يزال في الوقت نفسه ما يقدر بنحو 782 مليون بالغ، 64 في المائة منهم نساء، يفتقرون إلى المهارات الأساسية للقراءة والكتابة.

               ولهذا يجب عدم إهمال أو نسيان محنة مئات الملايين من الأطفال والمراهقين والبالغين الذين يحرمون من حقهم في التعليم. ويجب كذلك أن تتصدى خطة التعليم لما بعد عام 2015 بشكل فعال للعوائق الراسخة في طريق التعليم والتعلم، فضلا عن التحديات العالمية الجديدة والناشئة التي نواجهها الآن.

               ويمر العالم بنقطة تحول حاسمة. فالأزمات العالمية تهدد بعكس مسار التقدم وتقويض الإنجازات المستقبلية. ونحن نشهد تدهورا بيئيا متزايدا وزيادة لحدة آثار تغير المناخ، وتردي آفاق العمالة المتاحة للشباب، وتزايد تحديات الهجرة والحضرنة، واستمرار التراجع الاقتصادي العالمي والصراعات العنيفة لفترات أطول. وقد حان الوقت لبناء وصياغة أهداف للتنمية المستدامة من شأنها مواجهة التحديات الملحة في فترة ما بعد عام 2015.

               وعلاوة على ذلك، يفرض العالم الذي تحركه التكنولوجيا أعباء متزايدة على المتعلمين والمدرسين والأعمال التجارية وحتى الحكومات. وتتطلب الاقتصادات القائمة على المعرفة أنواعا ومستويات جديدة من المهارات والكفاءات، في حين أن عدم كفاية فرص الحصول على المستويات الأعلى من التعليم واكتساب المهارات في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يؤدي إلى خلق فجوة معرفية بين البلدان وداخلها، مع عواقب كبرى على الاقتصاد والعمالة. وتتبنى اليونسكو موقفا لا لبس فيه بأن أفضل طريق للتصدي لهذه التحديات الهائلة يمر من خلال خطة طموحة وتحويلية وشاملة للتعليم ما بعد عام 2015 تكون ذات أهمية كونية وقابلة للتطبيق على جميع البلدان، بصرف النظر عن وضعها الإنمائي. وتدعو اليونيسكو بقوة إلى رؤية إنسانية وكلية للتعليم قائمة على الحقوق، ولها منظور موسع للتعلم مدى الحياة من أجل تمكين الأشخاص من إعمال حقهم في التعليم والتعلم مدى الحياة.

               ومع تقدم العملية الحكومية الدولية في الأمم المتحدة في نيويورك وفي انتظار اعتماد خطة التنمية لما بعد عام 2015 في مؤتمر القمة الاستثنائي في أيلول/سبتمبر 2015، يعمل المجتمع الدولي للتعليم على إعداد الأرضية من أجل دعم تشغيل خطة التعليم المستقبلية على الصعيد القطري.

               وستقوم اليونسكو، بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة للسكان واليونيسيف وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومجموعة البنك الدولي، بعقد المنتدى العالمي للتعليم لعام 2015، المقرر أن تستضيفه حكومة جمهورية كوريا، في الفترة من 19 إلى 22 أيار/مايو 2015، في مدينة إنتشيون. وسيوفر المنتدى منبرا فريدا للقادة العالميين في مجال التعليم، وواضعي السياسات، وممثلي المجتمع المدني، والمدرسين، والخبراء، والقطاع الخاص من أجل الوقوف على الإنجازات وأوجه القصور في تنفيذ أهداف توفير التعليم للجميع والأهداف الإنمائية للألفية ذات الصلة بالتعليم، وكذا الاتفاق على موقف مشترك بشأن هدف التعليم وغاياته في خطة التنمية لما بعد عام 2015. وسيتيح المنتدى أيضا فرصة للمجتمع التعليمي الدولي كي يضع خريطة المستقبل من أجل تنفيذ خطة التعليم لما بعد عام 2015 من خلال إطار للعمل.

               وإدراكا من اليونيسكو وشركائها في الأمم المتحدة وخارجها أن النظم الوطنية القوية لا غنى عنها في التنفيذ الفعال للتعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، فسيواصلون تعزيز التعاون التقني الدولي من أجل دعم البلدان الأمس حاجة. وستواصل اليونسكو أيضا دعم البلدان في تعزيز قدرات الرصد الوطنية وفي الوقت نفسه قيادة جهود التنسيق والرصد على الصعيد العالمي لتنفيذ خطة التعليم ضمن إطار ما بعد عام 2015. وبالبناء على تقرير الرصد العالمي الحالي لتوفير التعليم للجميع، الذي ما فتئت اليونسكو تصدره سنويا على مدى الاثنتي عشرة سنة الماضية مدعوما بالبيانات من معهد اليونسكو للإحصاء، سيستمر إجراء رصد منتظم ومستقل لتتبع التقدم المحرز على الصعيد العالمي.

               وقد قطع المجتمع الدولي شوطا طويلا منذ إطلاق الحركة التي تعم العالم لتوفير التعليم للجميع في جومتيان، تايلند، في 1990، وجَدَّد تأكيدها في داكار في عام 2000. ورغم تحقيق تقدم لم يسبق له مثيل، لم ينته الطريق إلى تحقيق توفير التعليم للجميع بعد. ويبقى الطريق من إنشيون في أيار/مايو 2015 مرورا بنيويورك في أيلول/سبتمبر عام 2015 وصولا إلى عام 2030 طويلا أمامنا. ولذلك يجب على المجتمع الدولي أن يكافح، وهو تحفزه خطة أكثر طموحا وقدرة على إحداث التحول، من أجل تقديم أداء أفضل وأكبر وبذل جهود أكثر إذا كان يريد أن يعلن أن توفير التعليم للجميع قد تحقق فعلا بحلول عام 2030.