10 شباط/ فبراير 2023

إن عدم المساواة بين الجنسين في العلوم لا يشكل مجرد مشكلة تؤثر على المرأة. بل أنه يعوق التنمية في أي بلد. وعلاوة على ذلك، عندما نحد من حجم مجموعة المواهب من خلال زيادة صعوبة اختيار الفتيات والنساء لمهنة في العلوم، فإننا بهذا نضعف قدرتنا على حل المشاكل المعقدة. ومع احتمال تمرير نقاط التحول التي قد تؤدي إلى تغير مناخي مفاجئ معلق فوق رؤوسنا مثل سيف داموكليس، فمن المنطقي تمكين جميع أذكى عقولنا في جميع أنحاء العالم لمواجهة هذا التحدي وغيره من التحديات الملحة؛ ومع ذلك، فإننا لا نزال نتجاهل نصف مجموعة المواهب هذه.

وفقاً لتقرير اليونسكو للعلوم: سباق مع الزمن من أجل تنمية أكثر ذكاءً (2021)، واحدة من كل ثلاثة باحثين هي امرأة. ويمكن أن تكون هذه النسبة أعلى بكثير. لقد حققت النساء المساواة على مستوى البكالوريوس والماجستير في الدراسة، وهن على أعتاب تحقيق المساواة على مستوى الدكتوراه ولكن العديد من هؤلاء الخريجات إما لا يخترن الانخراط في مهنة في مجال البحث أو تركن مهنة البحث قبل الأوان.

وليس من الصعب معرفة السبب. بشكل عام، تميل الباحثات إلى الحصول على وظائف أقصر وأقل أجراً. ولا يتم تمثيل عملهن بشكل كافٍ في الدوريات رفيعة المستوى وغالباً ما يتم تجاوزهن في الترقية. وعادة ما تمنح النساء منحاً بحثية أصغر من زملائهن الذكور ويحصلن على اعتراف أقل من أقرانهن: فالنساء يشكلن 12 في المئة فقط من أعضاء أكاديميات العلوم الوطنية. 

والوضع ليس أكثر إشراقاً في القطاع الخاص. ولا تزال النساء المؤسسات للشركات البادئة في مجال التكنولوجيا يكافحن من أجل الحصول على التمويل، ولا تزال المرأة ممثلة تمثيلاً ناقصاً في المناصب القيادية والفنية في شركات التكنولوجيا الكبيرة. فالنساء أكثر ميلاً من الرجال إلى ترك مجال التكنولوجيا، وكثيراً ما يستشهدن بالآفاق المهنية الضعيفة كحافز رئيسي لقرارهن.

في عالم اليوم، من الصادم أن الرجال والنساء لا زالوا لا يتمتعون بتكافؤ الفرص والمساواة في الأجر في مكان العمل. ويجب علينا تكثيف جهودنا لاعتماد سياسات وبرامج تحويلية جنسانية تمهد الساحة للجميع من فناء المدرسة إلى أعلى مستويات صنع القرار. وهذا يصب أيضاً في مصلحتنا الفضلى. على سبيل المثال، ربطت الدراسات ثقة المستثمر وزيادة هوامش الربح بوجود قوة عاملة متنوعة. 

وتتمثل إحدى طرق القضاء على الصور النمطية الجنسانية في إبراز النساء الاستثنائيات. وهذا هو ما ظلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومؤسسة لوريال (Fondation L’Oréal) تقومان به طيلة 25 عاماً من خلال برنامج دور المرأة في العلوم".
 وحتى الآن، تم تكريم أكثر من 3,900 امرأة في جميع أنحاء العالم من خلال هذا البرنامج.

وتعمل اليونسكو على تعميم المساواة بين الجنسين في برامجها العلمية الدولية. حوالي 42 في المئة من قادة المشاريع البحثية في البرنامج الدولي لعلوم الأرض، هن من النساء، على سبيل المثال، والهدف هو تحقيق التكافؤ بين الجنسين.
 

كيف سنتعامل مع التحديات الهائلة التي تواجهنا اليوم، مثل تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والإجهاد المائي والأوبئة الفيروسية والتطور السريع للذكاء الاصطناعي، إذا لم نتمكن من استدعاء أفضل عقولنا أينما كانوا؟

خذ قطاع المياه كمثال. هنا، تشكل المرأة أقل من 17 في المئة من مجموع القوى العاملة المدفوعة الأجر، وفقاً  لتقرير الأمم المتحدة عن تنمية المياه في العالم لعام 2016: المياه والوظائف، الذي نشرته اليونسكو بالنيابة عن آلية الأمم المتحدة للمياه (UN-Water). وتشكل المرأة أقلية أصغر في مراكز البحث واتخاذ القرارات في قطاع المياه والذي لا يزال بيئة يهيمن عليها الذكور.

ويقوم البرنامج العالمي لتقييم المياه التابع لليونسكو بتنسيق الدعوة إلى العمل منذ عام 2021 لتسريع التقدم نحو المساواة بين الجنسين في مجال المياه. وبحلول كانون الأول/ ديسمبر 2022، أيدت أكثر من 20 دولة و150 مؤسسة مبادرة الدعوة إلى العمل.

ومنذ عام 2014، وضع البرنامج العالمي لتقييم المياه مؤشرات مراعية للمنظور الجنساني ومنهجية لجمع بيانات المياه المصنفة حسب الجنس. ويمكن العثور على هذه المؤشرات في مجموعة أدوات جمع وتحليل البيانات المائية المفصَّلة بحسب الجنس.

تعطي اليونسكو الأولوية لنهج الإدارة البيئية التي تكون قادرة على الصمود في وجه تغير المناخ وتتسم بالتوازن بين الجنسين. ويجري إدماج هذا النهج المزدوج، على سبيل المثال، في المشاريع التي يصممها البرنامج الهيدرولوجي الحكومي الدولي لتحسين رصد الأخطار المتصلة بالمياه مثل الفيضانات والعواصف والجفاف والتنبؤ بها.

ويتسم هذا النهج أيضاً بالمشاريع الجاري تنفيذها في الشبكة العالمية لمحميات المحيط الحيوي التابعة لليونسكو والتي تمتد الآن إلى 134 بلداً وتغطي أكثر من 5 في المئة من سطح الأرض وما هو أكثر من ذلك. أوضحت اليونسكو للنساء المحليات في أحد المشاريع، كيفية معالجة جوز شجرة الشيا البرية (Vitellaria paradoxa) وبالتالي زيادة دخلهن. وقد أدى تعافي الاستفادة من بذور الشيا إلى الحد من قطع أشجار الشيا لإنتاج الفحم النباتي في هذا المجتمع الريفي. والآن بعد أن استوعبت النساء قيمة الشجرة، فقد قُمن بحملة لزيادة الوعي بين جيرانهن بالحاجة إلى حمايتها.

وثمة طريقة أخرى تعمل اليونسكو من خلالها على تعزيز نهج متوازن بين الجنسين في إدارة البيئة تتمثل في تشجيع مشاركة المجتمعات المحلية من خلال علم المواطن. تسهم التوصية الخاصة بالعلم المفتوح التي اعتمدتها الدول الأعضاء في اليونسكو وعددها 193 دولة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 في تحقيق هذا الهدف عن طريق تيسير وصول الرجال والنساء من جميع الخلفيات إلى المعلومات والبيانات العلمية التي ربما كانت محجوبة في السابق وراء حظر الوصول غير المدفوع.

ولا يمكن القول في كثير من الأحيان أن المساواة بين الجنسين هي في صميم حقوق الإنسان. نحن نشهد بعض التقدم نحو تحقيق هذا الهدف ولكن لا مجال للرضا عن النفس. ويجب أن نكون يقظين بصفة خاصة إزاء التراجع. لا يوجد تذكير أكثر وضوحاً بالحاجة إلى اليقظة من حالة أفغانستان حيث حُرمت الفتيات والنساء بوحشية من حقهن في التعلّم والتعليم في جميع مستويات التعليم. ولقد أكدت المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي أن "اليونسكو تدين هذا الانتهاك لحق أساسي وتدعو إلى استعادته دون تأخير". ووفقاً لتقرير اليونسكو للعلوم لعام 2021، شكلت النساء 22 في المئة من طلاب السنة الأولى الجامعيين الأفغان المسجلين في التخصصات المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) بشكل أساسي في عام 2018.

وفيما نستعد للاحتفال باليوم الدولي للمرأة والفتاة في مجال العلم في 11 شباط/ فبراير، كررت المديرة العامة لليونسكو تأكيد هذه الرسالة الأساسية: "إن النساء بحاجة إلى العلم والعلم بحاجة إلى النساء. ويمكننا فقط من خلال الاستفادة من كل مصادر المعرفة وكل مصادر المواهب، إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للعلوم والارتقاء إلى مستوى تحديات عصرنا".

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.