إن مياه العالم تشتمل على ما هو أكثر مما نستطيع أن نراه من حولنا في الأنهار والبحيرات والمحيطات. وتتضمن الدورة الهيدرولوجية أيضاً المياه التي قد لا نتمكن من رؤيتها بسهولة ولكنها تلعب دوراً حاسماً في سعينا إلى مستقبل مستدام. وتعد أهمية هذه "المياه غير المرئية" أحد الموضوعات الرئيسية التي سيتم تناولها خلال الأسبوع العالمي للمياه 2022 (23 آب/ أغسطس إلى 1 أيلول/ سبتمبر).
بصفته المؤتمر الرائد حول قضايا المياه العالمية لأكثر من 30 عاماً، يعمل الأسبوع العالمي للمياه كمحفز مهم للتغيير. ويجتذب هذا الحدث الباحثين البارزين وصانعي القرارات وممثلي الأعمال التجارية والمنظمات غير الحكومية والطلاب والمنظمات الدولية من جميع أنحاء العالم ويوفر شكلاً ديناميكياً للتعاون والتعلّم المشترك والعمل المشترك للتصدي لبعض أعظم التحديات في عصرنا.
هذا العام، سوف يعرض الأسبوع العالمي للمياه مرة أخرى قسماً في الموقع في ستوكهولم. لقد أصبحت الفعالية الناجحة على شبكة الإنترنت في العام الماضي جزءاً لا يتجزأ من المؤتمر وستعود أيضاً بثلاثة أيام من إعداد المشاهد من المحتوى الحصري عبر الإنترنت تليها فرصة للانضمام إلى الجلسات في الموقع والتفاعل معها عبر منصة المؤتمر الرقمية. ومن المتوقع أن ينضم 4,000 مشاركاً إلى المحادثة في أكثر من 300 جلسة ومجموعة من التنسيقات التعاونية الأخرى.
وسوف يركز مؤتمر هذا العام بشكل خاص على ما يمكن وصفه بالمياه "غير المرئية" - المياه الجوفية ورطوبة التربة والمياه الجوية. ونظراً لعدم رؤية هذه المياه بالعين المجردة فإنها كثيراً ما تنسى، حتى من قبل خبراء في مجتمع المياه، وبالتالي لا يتم استكشاف إمكاناتها بشكل كامل. وفي مواجهة أزمة المياه العالمية، لابد أن يتغير هذا إذا كان لنا أن نحقق أهداف التنمية المستدامة وأن نبني مستقبلاً شاملاً وأفضل للجميع.
إن نصف سكان العالم تقريباً يعتمدون بشكل كبير على المياه الجوفية من أجل البقاء ومع استمرار نمو السكان فإن المزيد من الناس سوف يعتمدون على مصدر المياه هذا.
ومن التحديات الدولية الأكثر إلحاحاً أزمة الغذاء التي تؤثر حالياً على أجزاء كثيرة من العالم. ففي شرق أفريقيا وحدها، يعاني أكثر من 50 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد وهو ما يرجع في المقام الأول إلى الجفاف. كما أبلغت عدة بلدان أوروبية ونصف الولايات المتحدة تقريباً عن حدوث الجفاف.
ولكن وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، يمكن معالجة الجفاف عن طريق استصلاح الأراضي وتحسين إدارة المياه. والمفتاح إلى تحقيق هذه المهمة يتلخص في استعادة وحماية رطوبة التربة وخصوبتها من خلال ممارسات زراعية أكثر ذكاء على سبيل المثال. ويرى التقرير أن إجراء هذا التحول يجب أن يكون أولوية قصوى، حيث إن تواتر وشدة حالات الجفاف قد زادت بالفعل بما يقرب من الثلث في السنوات العشرين الماضية. وبحلول عام 2050، قد تؤثر هذه المشكلة على أكثر من 75 في المئة من سكان العالم.
بعد سنوات الجائحة، سيكرم أسبوع المياه العالمي 2022 آخر ثلاثة فائزين بجائزة ستوكهولم المرموقة للمياه. لقد كرس اثنان من الحائزين على الجائزة الكثير من حياتهم لمساعدتنا في فهم أهمية المياه غير المرئية وإمكاناتها بشكل أفضل.

يعد الدكتور جون شيري، الحائز على الجائزة في عام 2020، أحد أبرز خبراء المياه الجوفية في العالم. فقد ذكر أن المياه الجوفية في كوكب الأرض تعاني من سوء إدارة إلى حد خطير، وأن هذا يفرض تهديداً مباشراً وخطيراً للغاية على الأنظمة البيئية وإنتاج الغذاء. إن نصف سكان العالم تقريباً يعتمدون بشكل كبير على المياه الجوفية من أجل البقاء ومع استمرار نمو السكان فإن المزيد من الناس سوف يعتمدون على مصدر المياه هذا.
مُنح الدكتور شيري جائزة ستوكهولم للمياه لبحثه الرائد حول تلوث المياه الجوفية. وقد أظهر عمله أن التلوث، جنباً إلى جنب مع الإفراط في التجريد (استخراج كمية أكبر مما ينبغي من المياه من مصدر أرضي)، يشكل التهديد الأكبر لإمدادات المياه الجوفية في العالم.
الحائز على جائزة عام 2022، الدكتور ويلفريد بروتسايرت، معروف أيضاً بعمله في مجال المياه غير المرئية، وتحديداً المياه الجوفية والتبخر. يزداد فهم التبخر أهمية في عصر ندرة المياه المتزايدة، حيث يساعد صناع القرار على تقييم كمية المياه المتوفرة. إن الدكتور بروتسارت، المعروف باسم "سيد التبخّر" في مجتمع الهيدرولوجيا، هو الخبير الرائد على مستوى العالم في التبخر الأرضي. وقد أدت أبحاثه إلى نماذج تتميز بدقة التي لا مثيل لها والتي قد تساعدنا في قياس التبخر كمياً.
وهذه المعلومات ذات أهمية خاصة للمجتمعات المحلية المعرضة للخطر التي تحتاج إلى التنبؤ بمقدار المياه المتاحة اليوم وبمقدار ما سيكون موجوداً في المستقبل. في حديث له بعد إعلان جائزة ستوكهولم للمياه في وقت سابق من هذا العام، شرح البروفيسور بروتسارت ما يلي:
هذه معلومات أساسية لابد وأن تكون لدينا عندما نخطط لمجتمعاتنا. ويتعين علينا أن نعرف كم المياه الذي سنحصل عليه حتى يتسنى لنا أن نفهم إلى أي مدى قد تتوسع مدينة ما أو إذا كان بوسعنا أن نسمح للصناعات بالاستقرار في منطقة معينة".
ينظم برنامج الأسبوع العالمي للمياه لعام 2022 في ثلاثة مجالات تركيز لكل منها يوم مخصص على الإنترنت ويوم في الموقع. ومجالات التركيز هي التمويل والاقتصاد والناس والتنمية والطبيعة والمناخ. ويقوم منظم الأسبوع العالمي للمياه معهد ستوكهولم الدولي للمياه (SIWI)، بتنظيم البرنامج؛ ويستضيف الدورات مجموعة واسعة من المنظمات التي تعقد الاجتماعات.
كما ينظم المعهد سلسلة من الحلقات الدراسية المرتبطة بالموضوع الشامل "رؤية ما هو غير مرئي: قيمة المياه" وتعمل بمثابة العمود الفقري للمؤتمر. وتهدف هذه الحلقات الدراسية إلى إصدار رسائل وحلول موجزة في مجال السياسة العامة من أحدث المناقشات العلمية والممارسين بشأن الموضوعات العاجلة. المحتوى ذو صلة بصانعي القرار حول العالم وهو مصمم ليناسب ذلك الجمهور مما يجعل الجلسات جزءاً مهماً من جدول الأعمال العالمي لعالم أكثر حكمة في استخدام المياه.
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.