18 أيار/ مايو 2023

كانت الفترة منذ بداية الحرب الروسية الشاملة على أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022 فترة اختبار لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد شهدت كلتا الهيئتين العديد من المناقشات الغاضبة. لكن كلتيهما أظهرتا أيضاً بعض المرونة خلال الأزمة وأظهرتا كيف يمكن للمنتديات المتعددة الأطراف أن تخفف من عواقب الصراعات الكبرى.

وعلى الرغم من الخلافات العميقة بشأن أوكرانيا، فإن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن استخدموا هذه الهيئة كقناة للتعاون الدبلوماسي بشأن أزمات أخرى. وفي غضون الأشهر الخمسة عشر الماضية، تمكن المجلس من الابتكار في عدد من الملفات حيث أجاز نظام عقوبات جديد يستهدف العصابات في هايتي وأصدر أول قرار له بشأن الصراع في ميانمار. وكان أعضاء المجلس بطيئين في الاستجابة لبعض الأزمات ويواجهون تحديات مثل تصاعد العنف الجهادي في منطقة الساحل. ومع ذلك، فقد أثبت المجلس أنه مكان يظل فيه بعض التعاون بين القوى الكبرى ممكناً.

ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس يرون أن عمل الأمم المتحدة يدعم مصالحهم الوطنية. كما أنهم يظلون موحدين بالهدف المشترك المتمثل في الإبقاء على المجلس كمؤسسة يتمتعون فيها بمزايا في صنع القرار. وبالمثل، أظهر الأعضاء المنتخبون في المجلس مستوى عالٍ من الوحدة في محاولة مواصلة الدبلوماسية بشأن جهود مثل إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا والتي تعتبر جهود مهمة لسمعة المجلس.

هذه العوامل تعني أن جميع الأطراف تحتفظ بمصلحة في التوصل إلى اتفاقات من خلال مجلس الأمن قد يكون من المستحيل تحقيقها وإضفاء الشرعية عليها في المحادثات الثنائية. ولا يزال المجلس أكثر نشاطاً بكثير مما كان عليه خلال فترات طويلة من الحرب الباردة ومن الجدير بالذكر أن المجلس لم يتمكن إلا من إصدار قرار واحد في عام 1959 بأكمله. لكنه يلعب بطريقة أو بأخرى الدور الذي قام به خلال تلك الفترة السابقة من التوتر الدولي الراسخ كفضاء يمكن للقوى الكبرى فيه تقديم تنازلات انتقائية بشأن الأزمات.

وفي الوقت نفسه، برزت الجمعية العامة كمنتدى يمكن فيه للدول أن تدلي ببيانات مبدئية هامة بشأن الحرب في أوكرانيا مؤكدة سيادة كييف، وحددت الجمعية معالم السلام العادل والدائم والشامل في قرار صدر في شباط/ فبراير 2023. غير أن الجمعية لم تنشئ دوراً مباشراً مماثلاً في حل الصراع. على سبيل المثال، لم توص بتعيين مبعوث للأمم المتحدة كما فعلت في حالة الحرب في سوريا في عام 2012 أو آليات محتملة أخرى يمكن أن تساعد في وقف الحرب في أوكرانيا.

ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أنه حتى الآن لم يكن هناك انفتاح سياسي أو مسار سياسي لجهد نابع من الأمم المتحدة لإنهاء الحرب. ولم يشجع الأمين العام، الذي لعب دوراً هاماً في الدبلوماسية حول مبادرة حبوب البحر الأسود وغيرها من الجهود لإدارة تداعيات الحرب، حتى الآن الحديث عن حل عن طريق الوساطة. ومع ذلك، يرى بعض أعضاء الجمعية العامة أن الهيئة ينبغي أن تتطلع إلى دور أكبر في حل الصراعات.

اضطلعت الجمعية العامة تاريخياً بدور كبير في السلم والأمن في فترات كان مجلس الأمن منقسماً بشدة. قام أعضاء الجمعية بتكليف أول قوة حفظ سلام كاملة تابعة للأمم المتحدة في السويس في عام 1956 وألقوا بثقل الهيئة وراء الكفاح ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا خلال الحرب الباردة اللاحقة وفي كلتا الحالتين تصاعدت التوترات داخل المجلس.

وكثيراً ما كانت الجمعية العامة طموحة جداً في مقترحاتها. وتلاحظ ريبيكا باربر، الخبيرة في شؤون الجمعية العامة، أنه في القرار 2107 (XX) المؤرخ في 21 كانون الأول / ديسمبر 1965، ردت الجمعية العامة على رفض البرتغال تحرير مستعمراتها الأفريقية من خلال حث أعضاء الأمم المتحدة على "قطع العلاقات الدبلوماسية مع البرتغال؛ وإغلاق موانئها أمام السفن البرتغالية؛ ومنع سفنها من دخول الموانئ البرتغالية؛ ورفض تسهيلات الهبوط والعبور لطائرات الحكومة البرتغالية؛ ومقاطعة التجارة مع البرتغال".

وليس من الواضح ما إذا كان الأعضاء الحاليون في الجمعية يريدون القيام بهذا الدور النشط في التعامل مع العديد من الخلافات والصراعات الموجودة اليوم. عندما ناقشت الهيئة انقلاب عام 2021 في ميانمار، استغرق الأمر شهوراً للتوصل إلى توصية لحظر الأسلحة والتي كان لها تأثير ضئيل يمكن ملاحظته. ومع ذلك، فإن العديد من أعضاء الأمم المتحدة يتشاطرون الشعور بأنه، بالنظر إلى عدم اليقين الجيوسياسي الحالي، ينبغي للجمعية العامة أن تستكشف خياراتها للتعامل مع الأزمات في المستقبل. وقد اتخذت الجمعية العامة خطوة هامة في هذا الاتجاه في نيسان/ أبريل 2022 عندما وافقت على مبادرة طرحتها ليختنشتاين في البداية، تدعو الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إلى شرح حق النقض (الفيتو) الذي استخدموه أمام الجمعية العامة بكامل هيئتها في غضون عشرة أيام من استخدامه.

ويتساءل الدبلوماسيون في نيويورك الآن كيف يمكنهم البناء على هذه المبادرة. ويمكن أن تشمل الخيارات تقديم الجمعية العامة توصيات إلى مجلس الأمن بشأن الاستجابة للأزمات في أعقاب استخدام حق النقض (الفيتو)، أو التوصية باتخاذ إجراءات محددة، مثل تعيين المبعوثين أو إنشاء بعثات سياسية خاصة، في الحالات التي لا يستطيع فيها أعضاء المجلس الاتفاق.

ومن العقبات التي تحول دون طرح أفكار من هذا النوع أن قلة من الدبلوماسيين العاملين في الأمم المتحدة يدركون مجموعة الأدوات التي استخدمتها الجمعية العامة في الماضي أو كيفية تنفيذها. وفي المناقشات التي أجريت مؤخراً مع الدبلوماسيين الذين يركزون على شؤون الجمعية العامة، أصبحت أعتقد أنه سيكون من المفيد لرئيس الجمعية العامة أن يُصدر كتيباً يسهل الوصول إليه يحدد متى يمكن للهيئة أن تشارك في أنشطة تسوية الصراعات ولماذا وكيف يمكن لها أن تفعل ذلك.

وبطبيعة الحال، لن يوّلد الكتيب إرادة سياسية لدى أعضاء الجمعية العامة للتصرف في الأزمات المقبلة وهذا يتوقف دائماً على الظروف المحددة لأي حالة بعينها. لكن المعلومات الإضافية حول خيارات الهيئة يمكن أن تيسّر على الأقل إجراء مناقشات أفضل في نيويورك.

وبشكل عام، أظهرت التجارب الأخيرة أن مجلس الأمن والجمعية العامة لا يزالان يتمتعان بالقدرة على تأطير كيفية استجابة الدول للأزمات الكبرى وكيفية الحد من عواقبها العالمية. ولا يزال هذا أقل بكثير من طموحات ميثاق الأمم المتحدة ولكنه يشير على الأقل إلى أن التعاون المتعدد الأطراف له دور دائم في الحد من التهديدات العالمية.

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.